الأحد، 19 يناير 2014

التخلي عن الماركسية والسيناريوهات المقترحة للمستقبل الخاص بالعلاقة بين الماركسية ومقاومة الرأسمالية وتجاوزهما



التخلي عن الماركسية والسيناريوهات المقترحة للمستقبل الخاص بالعلاقة بين الماركسية ومقاومة الرأسمالية وتجاوزهما:
لقد سعى النظام السوفياتي إلى الاستحواذ على تركة ماركس الفكرية وإلى الإضافة لها بإسهامات لينينوستالين على وجه التحديد، ومن ثم ظهور "الماركسية اللينينية". من جهة أخرى، وفي خضم الحرب الباردة، والدعاية، والدعاية المضادة، دخلت أطراف أخرى حلبة الصراع الفكري خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها في الشرق وفي الغرب، وسعى هذا التيار أيضا لعدم التمييز بين تركة ماركس والإتحاد السوفياتي. وبالتالي اقترن ماركس بالذهن وعلى نطاق شعبي، بتجربة الإتحاد السوفياتيالخاطئة والفاشلة.
لم يكد يمضي سبعون عاما على قيام الإتحاد السوفياتي حتى انهار من الداخل، وتلاه تساقط متتابع للأنظمة الاشتراكية، مما جعل الكثير ينظر إلى الماركسية والاشتراكية نظرة إشفاق وتهكم على نظرية بائسة خائبة، صادرت الحريات من أجل المساواة، وانتهت بافتقادها  للمساواة والحرية معا.
منذ ذلك الحين أصبحت الماركسية مجرد تاريخ رومانسي من جهة النظرية الفكرية، وتاريخ دموي من جهة التطبيق السياسي، وأصبح لا علاقة لها بالفكر الحاضر. ويحضرنا هنا، أنه بعد فشل التجارب الاشتراكية في الإتحاد السوفياتي وبلدان شرق أوربا، أصدر فوكوياما كتابه "نهاية التاريخ وخاتم البشر"، أشار فيه إلى أن النظام الرأسمالي نهاية التاريخ على الطريقة الهيجلية، ورد عليه الفيلسوف جاك دريدا في مؤلفه " أطياف ماركس"  قائلا: "أن ماركس الستاليني الذي تطور إلى نموذج سوفييتي بيروقراطي هو الذي توفي وانتهى، أما ماركس الفيلسوف والمفكر فما يزال حيا بيننا".
وإنهيعتبرأن الماركسية، لم يتم التخلي عنها على قاعدة الحجج الداخلية النظرية، بل على قاعدة عوامل خارجية تاريخية. ولهذا السبب، تقترح ثلاثة سيناريوهات للمستقبل الخاص بالعلاقة بين الماركسية ومقاومة الرأسمالية. والسيناريوهات الثلاثة هذه عبارة عن نماذج مثالية ولا تفسر كتشخيصات تاريخية أو مستقبلية.
وفقالسيناريو الأول، تواصل عولمة الرأسمالية الثورة الصناعية الثالثة وتعميق الانقسام بين خفض قيمة العمل وتمويل رأس المال، و"سيادة الأسواق المالية العالمية". وفي هذا السياق، لن تأتي المعارضة الثقافية بالتأكيد من "ثقافة اليسار المرتكزة على شكل الثقافة العدمية والنسبية"، المعادية لأي شكل شمولي، والمتوافقة مع أي هيمنة رأسمالية متعاظمة، بل من أشكال من الوطنية الشعبوية أو الأصولية المتطرفة، اليمينيتين. وفي هذا الإطار، سوف تفقد الماركسية الباقية كل قدرة تاريخية وسوف تعيد إنتاج نفسها تحت أشكال فرق وطوائف وأحزاب صغيرة وسوف تستخدم كإيديولوجيها للتنظيم، أو تتخذ شكل جماعة ثقافية وجامعية.
وفقالسيناريو الثانيغير المتوقع، سوف تأخذ الطبقة العاملة المبادرة التاريخية كطبقة موحدة، وتبين في الواقع أنها قادرة على المقاومة. لماذا هذا السيناريو غير متوقع؟ لأنهتبين خلال قرن كامل أن الطبقة العاملة غير قادرة على المبادرة التاريخية.
وتبعاللسيناريو الثالث فإن التطور الوحشي والمتناقض لنمط الإنتاج الرأسمالي ولد قوى اجتماعية جديدة، وهذه القوى تملك القدرات وسوف تتحدى وتنتج نظرية جديدة تقيم مع الماركسية علاقة ذاكرة تاريخية ونظرية.
هذا السيناريو هو ما انتظر وتمني، وبدأ وجوده الآن بالتشاركية، مبددة غموض الوضع الثقافي الغامض المشكوك فيه والذي لبثنا فيه طويلا. ومن وجهة النظر هذه،النظرية الجديدة ليست بمتابعة برنامج إعادة بناء "نموذج ماركسي علمي حقيقي"(لأن هذا المشروع جرب خلال فترة)، بل هي باستخدام أدوات مستقاة في حرية من التراث الماركسي، بغية بناء الفكر الجديد الظاهر للوجود تجاوزا للرأسمالية والليبرالية وللماركسية والاشتراكية كلهم، حيث يبقى التناقض الاجتماعي الأساسي للتشكيلات الرأسمالية، وأن أزمة الرأسمالية ليست إقتصادية صرفة، إنما أزمة مجمل المجتمع.
إن "الوعي الثوري" بحسب نظرية ماركس، ليس انعكاسا للوضع الطبقي لمجموعة اجتماعية محددة على المستوى الاجتماعيالاقتصادي، إنه لا يتشكل إلا ضمن عملية تاريخية معقدة ومتناقضة، يعترف الأفراد خلالها بوضعهم الاجتماعي من طريق تقسيم العمل، ويجتمعون وينظمون تعاونهم في طريقة جديدة. ويختلف هذا الفهم للوعي الطبقي عن الفهم السائد في الماركسوية التقليدية، حيث قننت الماركسية ضمن كتب مدرسية، وتحولت إلى عقيدة أو تعليم ديني، إلى "حكاية كبيرة" للسلطة البيروقراطية لرأسمالية دولة، وإلى لعبة عقيمة من الإستشهادات التي تفتقر إلى جهد فكري عملي. وهذا نتيجة مباشرة لدوغمائية النظرية وتحولها إلى مواضعة طوطمية يفترض أن يقدم لها ولاء طقسي من دون تفكير ودون أخذ بعين الاعتبار لتغير الشروط الموضوعية عبر تقدم التاريخ، ومن خلال "حدوث النظرية الماركسية ذاتها" كحادث تاريخي موضوعي في ذاته يستتبع تغيرا في الشروط الموضوعية لها.
فماركس لم يفصل عملية التوزيع عن نمط الإنتاج، ولم يربط التوزيع بالاشتراكية في شكل أساسي مثلما فعل بعض الماركسيين التحليليين و الاشتراكيين العاميين وبعض الديمقراطيين.
ماركس رفض وجود أي انفساخ بين "النضال الاقتصادي" و "النضال السياسي"، واعتبر النقابة كـ "مركز" لتنظيم الطبقة العاملة بغية تحريرها الكامل، وإن ترافق هذا العمل مع حركة سياسية واجتماعية تسير في الاتجاه نفسه. ويتناقض هذا الموقف مع فكرة حزب الطليعة الذي يجلب الحقيقة العلمية إلى الجماهير من الخارج.

ليست هناك تعليقات: