التشاركية كمذهب ونظام اقتصادي:
التشاركيةتناقض التصورات الرأسمالية للمشكلة الاقتصادية، فهي لا تعتبر المشكلة
مشكلة ندرة بل هي مشكلة نابعة من الظلم والتوزيع غير العادل للثروة، وعدم استغلال
الإنسان لإمكانياته الطبيعية بشكل فعال.فمثلما أثبت الكثير من العلماء أن
الأرض بإمكانها تلبية حاجات 132 مليار نسمة وليس فقط لحوالي 6 ملايير نسمة كعدد
لسكان الأرض حاليا.
التشاركية كنظام اقتصادي، هي تشاركêtre partenaire /partenairiat (بشحنة العشرة
الزوجية، كثنائية أساسية للوجود) ـ وليس شراكةAssociation/Partenariat ـ العمال بعملهم، لأصحاب العمل برؤوس أموالهم،
في نصف الأرباح من الإنتاج وفقط. فلا يحق للعمال التدخل في أي قرار غير الرقابة
ومعرفة حقيقة الأرباح وتحصيل نصيبهم منها(نصف أرباح مؤسسة العمل "ناقص"
"-" رواتبهم سنويا) بهيئة محددة منهم(الدور الأساسي والفعلي لنقابات
العمل) في جمعيات عامة لهم، ولو كان أعضاء هذه الهيئات ليسوا من العمال ما داموا
أنهم مختارين من العمال بالطرق التي يريدها العمال، وهؤلاء الأعضاء في هذه الهيئات
يعملون لحساب العمال، بحيث أنهم سوف يعتبرون من العمال في المؤسسة.
فأي إنتاج لا يخرج عن نطاق أن "أي شيء لا يمكن أن يكون إلا بالعمل ثم
العمل"، ولا عمل إلا بوسائل الإنتاج (وسائل العمل).
فالإنتاج يساوي (=) العمل زائد (+) وسائل الإنتاج من
مادة أولية وأدوات الإنتاج (رؤوس الأموال).
العمل بالنسبة للرأسمال نشاط يطرح قيمة ويشكل جزءا من الرأسمال نفسه، والقدرة
على العمل ليست سوى عنصر في حركة الرأسمال وإنتاجه، والعلاقة الاجتماعية أضحت
علاقة رأسمال.فالرأسمال ليس إلا عمل مخزن في حالة نشاط وعلاقات اجتماعية.كما أن
الثروة ليست إلا تراكم عبر الزمن للعمل وتجميعا له لكن دون حركة كالرأسمال رغم
أنها هي أيضا هي في حالة علاقات اجتماعية بسكونها.
العملهو ثروة العمال (الآنية) كما أن وسائل الإنتاج ثروة أصحاب العمل كرأسمال.
وحيث أن "أبسطها أقربها للحقيقة"، فإنه:
بما أن العمل هو ثروة العمال كما أن وسائل الإنتاج هي ثروة أصحاب العمل
(وكلاهما الرأسمال)، فإن العمال يعتبرون شريكا لأصحاب العمل(أصحاب وسائل الإنتاج)،
أحدهما يمد الوسائل والآخر يمد العمل(القدرة الإبداعية). هذه العلاقة، تلزم العمال
بحق في نصف أرباح الإنتاج حق شرعيا أوليا وحيويا لا يستغنى عنه من حقوق الإنسان،
لا العمال فقط. )...الخ). ذلك أن أبسط الأمور هي
أقربها للحقيقة، وكلما تعقدت الأمور فذلك لا يعني إلا محاولة إخفاء الحقيقة
بالكلمات المغلوطة. الحقيقة بسيطة وواضحة دائما، والكذب والزور هو المعقد والغامض.
إن الأرباح يجب توزيعها على أساس النسب المتفق عليها، فأصحاب رؤوس الأموال
يأخذون الجزء منها مقابل مساهمتهم في التمويل لإنشاء و/أو تشغيل المؤسسة، والعمال
اليدويون، الفنيون، المهندسون، والإداريون المسيرون والمنظمون يأخذون الجزء مقابل
عملهم وسعيهم. ويمكن التمييز في نسب الأرباح بين العمال على أساس كفاءاتهم العلمية
عن طريق منح مخصصة لذلك حسب الكفاءة العلمية، فلا يمكن أن تكون نسبة الأرباح
للمتعلم متساوية مع نسبة أرباح غير المتعلم، ذلك ما يحفز جميع العمال على التعلم
أكثر لكي ترتفع نسب أرباحهم، لأنه لا يمكن لنا أن ننكر أن التعلم بحد ذاته كثروة
هو أحد شروط تنمية الثروة في المجتمع كما تثبته الكثير من الإحصائيات والأبحاث.
والأجور حسب النظام التشاركي محسوبة في تكاليف و/أو استثمارات مؤسسة العمل ومخصومة
من أرباح العمال حماية اجتماعية و"حقا للحقوق"، حيث انه لو لم تخصم من
أرباح العمال لأصبح العمال كأصحاب العمل في الرأسمالية الليبرالية حاليا. فأرباح
العمال "تساوي" "=" أرباح مؤسسة العمل الصافية(بنزع الضرائب
والإهتلاكات والديون) "مقسمة" على "/" اثنان (02) و"تساوي"
"=" أجور العمال الخامة "زائد""+" الباقي السنوي.
وضمن الباقي السنوي من أرباح مؤسسة العمل الصافية بعد خصم كتلة أجور العمال الخامة
السنوية، وقسمته على إثنين بين أصحاب العمل والعمال ـ كما يوزع المساهمون أصحاب
العمل مالكي المؤسسة أرباحهم بينهم ـ يوزع
العمال قسمهم بينهم حسب اتفاقاتهم(حسب عدد ساعات العمل أو الإنتاجية، حسب عدد
العمال، حسب الإنتاجية والمردودية، ...الخ). ذلك ضمانا لكل الحقوق والعدل، كي لا
نقع فيما "للشيوعية" و/أو الاشتراكية من الرأسمالية، إذ جاءت لتسترد
حقوق العمال من أصحاب العمال (الذين يسرقون فائض القيمة Plus value)، فأتت عليهما معا
(حقوق العمال وحقوق أصحاب العمل وحرياتهم معا) لتمنحها للمافيا السياسية
والبيروقراطية الإدارية المسيرة، غير المالكة من الإنتاج سوى حق الانتفاع وسلطة
القرار بما يخدمهم من تقدير قانوني أو غير قانوني يبقي على مصالحهم الخاصة
والمجانية بهذه الأنظمة "الدكتاتورية"(رأسمالية الدولة) والرأسمالية
(ديكتاتورية السوق)، المقيدة لحق الحرية والتغيير، مؤخرة بتغير المحيط، إلى أن
يأتي التمرد بعنف سلبي على الحاضر والماضي للتقدم وصناعة المستقبل(الآخر)، وإن كان
بذالكم الحاضر والماضي.
هذا المبدأ معناه أن يأخذ العامل قدر العمل أو المجهود الذي بذله كاملا، وهو
ما يعد في نظرنا حلا نهائيا للمشكلة التي طرحها ماركس حول نهب الرأسمالي جزءا
كبيرا من قيمة العمل للبروليتاري، فبنى عليها ماركس حله المتمثل في نزع وسائل
الإنتاج من الرأسمالي وإعطائها للبروليتاري، لكن ما طرحه ماركس هو رد حق للعامل
بظلم أكبر لصاحب العمل لأنه من الصعب التأكد من مصدر حصوله على وسائل الإنتاج،
أفلا يكون صاحبها قد بذل مجهودا أكبر بقدرته الحصول عليها.
فما كان يسمى بالاشتراكية في الإتحاد السوفياتي خاصة ما هو إلا رأسمالية دولة،
أين تستغل الطبقات الحاكمة العمال والفلاحين، وتنهب فائض إنتاجهم، بالإضافة إلى
نهبها للريع (الناتج عن الأرض وملكيتها، من مواد أولية مثل النفط، أو قيم
استغلالها) الذي يوزع بشكل مباشر في القمة على شكل أجور عالية جدا، وبشكل مباشر في
القاعدة بهدف خلق قاعدة اجتماعية للحكم تستفيد من هذا الريع مقابل دعمها الأنظمة
ضد أي انتفاضة للأغلبية المستغلة، عن طريق كل أنواع القمع والتضخم الأمني
والبوليسي. ويؤدي هذا النظام الريعي إلى نشوء شبكة من العلاقات لتوزيع وإعادة
توزيع المزايا، بحيث ينتظم المجتمع في هيكل أشبه بهرم من الشرائح الريعية
المتتابعة التي تحصل على مزايا خاصة نتيجة لموضعها المتميز في الهيكل البيروقراطي
المسير للدولة أو بالنسبة إليه، وتقوم هذه الشرائح الريعية بدورها بإعادة توزيع
جزء منه لحلقات تالية من الشرائح الريعية، فتظهر الدولة الريعية كمصدر وموزع
للريع.
بعض مميزات التشاركية:
تمتاز التشاركية بأنه فيها يتم امتصاص البطالة الحقيقية والمقنعة دون اللجوء إلى
التوظيف غير العقلاني وإنما بخلق مؤسسات أخرى عن طريق سيولة رؤوس الأموال أفقيا
وعموديا في المجتمع الذي تخلقه بوجودها وبطريقة طبيعية دون توجيه إرادي فوقي وإنما
وفق القانون الاقتصادي في حد ذاته والذي ينص على أن قيمة النقد (ق) (كمعيار
اقتصادي لثروة المجتمع) "تساوي" قيمته الأساسية (س) "مضروب في"
عدد مرات تداولها (ن) : (ق= س x ن).وأن العمل كمنتوج ضمن سوق
العمل وضمن بورصة لأنواعه، بما يستلحقه من حرية في الحقوق العمالية التشاركية،
يكون عرضه أكثر من طلبه وفق قانون العرض والطلب، لسبب أن وفرة الرأسمال وتوزعه على
الجميع دون احتكار، يقلص الطلب في العمل ويزيد الاستثمار به في عرض العمل لكثرة
الطلب على الاستهلاك الفردي بتوفر المال عند الجميع. ويتم ذلك عن طريق الإلغاء
الطبيعي أيضا، لاحتكار الثروة وتجميده من طرف أفراد قلائل لاستعمالات شخصية في شكل
ثابت لا تعود فيه بأي منفعة اقتصادية على الجميع. وكل ذلك يتم نتيجة التوزيع
العادل لهذه الثروة بتحويلها من رأسمال مالي مجمد إلى رأسمال اجتماعي متحرك، ضمن نظرية
تشاركية عامة للاقتصاد، ليس هنا محل شرحها.
المؤسسة (الاقتصادية) في التشاركية:
من منظور التشاركية هدف المؤسسات هو تحقيق أعظم الأرباح، لكن من خلال تحقيق
المنافع العامة للمجتمع، وذلك عبر إعادة توزيع هذه الأرباح في المجتمع من خلال
آلية تقسيمها في المؤسسة التشاركية، باعتبار أن عمال المؤسسات هم الأعضاء
الفاعلين، المنتجين وخاصة المستهلكين في المجتمع. فيكون القرار السياسي والقرار
الاقتصادي لا يختلفان القرار الاجتماعي ولا يتخلفان عن المجتمع.
فيالمؤسسة التشاركية (أو المؤسستين الاشتراكية والرأسمالية في الوسط
التشاركي) مفعول قانوني العرض والطلب لا يمكن أن يتعارضا مع أهداف الخطة القومية
وإنما يتكاملون كلهم.
في التشاركية، المحدد هو توزيع قيمة العمل (الفكري أو الجسدي) الذي يعد
الملكية الحقيقية في التشاركية، متخذا الشكلين الطاغيين المتمثلين في: وسائل
الإنتاج كعمل متراكم متحول في شكل أو صورة رأسمال، وأسباب أو"واسطات"
الإنتاج كعمل متحول في شكل نشاط موجه كقيمة إبداعية في العمال.
الاشتراكية الشيوعية، الرأسمالية الليبرالية، و التشاركية:
بحق حريتهم الرأسمالية، وحق عملهم الاشتراكي، تم منع العمال وأصحاب العمل معا،
في النظامين الاشتراكي كرأسمالية للدولة والرأسمالي الليبرالي كديكتاتورية للسوق، منعوا
عن حق الحرية الاقتصادية والسياسية للجميع باسم العدالة الاجتماعية، وعن حق العمل
للجميع باسم حق الملكية الفردية. وبنفس الحقوق يقوم أصحاب العمل والعمال بتغليب استحقاق
حق الحرية الرأسمالية وحق العمل الاشتراكي معا، في النظام التشاركي، كما يمكن
التنازل عن حق الحرية وحق العمل بنفس الحقوق ذاتها وبالرضا دون إكراه، مباشر أو
غير مباشر، معنويا كان أو ماديا، كمبدأ أساسي للمنظومة القانونية التشاركية،
إحقاقا للحق في حرية الفرد خارج حدود حرية الآخرين. وبذلك عدم إقصاء وجود النظامين
الاشتراكي الحقيقي والرأسمالي الليبرالي، باعتبارهما كفتي الميزان الذي هو التشاركية،
والذي أوزانه بيانات تنازل أحد الطرفين (العامل أو صاحب العمل)، ضمن"عقود
العمل التشاركية"، عن حقوقه في فائض القيمة للآخر باتفاق عن تراض
وتفاهم، يلزم عنهم الحوار لا الصراع ولا الحروب على المستوى الجزئي و/أو المحلي،
وعلى المستوى الكلي و/أو العالمي.
خلاصة التشاركية كنظام اقتصادي:
باختصارالتشاركية هي الوسط الذي توجد فيه الرأسمالية
والاشتراكية مع بعض متعايشتين دون صراع ودون حرب باردة بينهما وإنما منافسة
اقتصادية شريفة دون إلغاء احدهما الأخرى مع حفاظهما على خصائصهما علاوة على
إمكانية وجودها في مؤسسة واحدة في أشكال أخرى تتمثل في :
1- المؤسسة التشاركية الخالصة:
وهي المؤسسة التي تكون فيها جميع عقود العمل أو معظمها عقود لا يتنازل فيها أي
من الطرفين العمال وأصحاب العمل عن حقوقهما في نصف الأرباح.
وهذه المؤسسة هي الخاصية الأساسية والرئيسة للتشاركية حيث تعتبر المعدل الاقتصادي(Régulateuréconomique) للتفاعلات الاقتصادية في الوسط التشاركي بما تلعبه من دور يمكن
تمثيله إلى دور الماء في التفاعلات الكيميائية كمعدل كيميائي.
2- المؤسسة اللا- تشاركية:
وهي المؤسسة التي يطغى فيها على عقود العمل تنازل احد الطرفين (العمال أو
أصحاب/صاحب العمل) عن حقوقه للطرف الآخر في نصف الأرباح.
وبذلك تكون المؤسسة:
-
مؤسسةاشتراكيةحقة أو خالصة كما كان ينشدها ماركس إن كان التنازل
من أصحاب العمل واعتبار أنفسهم مثلهم مثل العمال كاملا،
وتكون المؤسسة أيضا:
-
مؤسسةرأسمالية شرعية غير استغلالية إن كان العكس (أي إن كان التنازل من العمال
كاملا)، لكن برضا من العمال وقناعة وليس عن خداع وقهر، مع ضمان عدم الإستغلال
والحياة الكريمة في وبالمجتمع.
3-
المؤسسة المختلطة:
وهي المؤسسة التي لا يطغى فيها على عقود العمل أحد التنازلات على الحقوق في
نصف الأرباح من الإنتاج. وبالتالي تكون مؤسسة تشاركية ناقصة أو مختلطة ومتعددة
الأشكال.
الملخص العام لنظرية التشاركية:
لنظرية التشاركية، ككل نظرية، بعدان: أحدهما تحليلي يدرس ما هو قائم، وآخر معياري
يهتم بالواجب عمله. وعلى الدراسة المعيارية أن تأخذ في الاعتبار
"الميكانيزمات الحقيقية" وأن تستجيب لمتطلبات الفعالية. ويتوجب معرفة
وسائل الفعالية وكيف تحقق الأهداف. في حين تركز النظرية التحليلية على الشكل
الرأسمالي للمجتمع، فإن النظرية المعيارية تركز على الشكل التشاركي. وثمة علاقة
بين التحليلي والمعياري. الحقل الاجتماعي الذي يدرس والحقل النظري الذي يبنى هما
حقلان مختلفان، وإن الإسقاطات غير جائزة، فالفهم الجدلي يتطلب جهدا مميزا وأسئلة جديدة
ومواجهة مع المشاكل.منطقالأفكار ليس في الأفكار نفسها. التحليل مهما
بلغت أهميته، لا يحدد ما يحصل في الواقع
البنيات التحتية (أنماط الإنتاج وعلاقته) والبنيات الفوقية (الإيديولوجيا والعلوم
والمعارف) متداخلة في مستويات متعددة، فعلى مستويات أخرى تقوم البنيات الفوقية
بعمل البنيات التحتية.فالوعي هو نتاج اجتماعي، لكن بفهم أن الظروف تصنع
الأفراد، والأفراد تصنع الظروف كفكرة أساسية في النظرة التشاركية للتاريخ وللمجتمع.
التشاركية ظاهرة إقتصادية، تاريخية واجتماعية، طبيعية وحتمية، مقدرة، تفرضها الظروف
في الزمان والمكان، وتكون نتيجتها إما النصر والنجاح أو أن تعجز عن الصمود
وبالتالي تؤدي إلى الهلاك والدمار للجميع، كما يقال في القرآن مثلا : "
وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها
تدميرا".
ملخص نظرية التشاركية بصفة عامة، متمثل في:
-
ضمان نصيب لائق وكريم من الحياة لكل فرد، أي بلغة
الاقتصاد، ضمان حد كاف مناسب من المعيشة للجميع على أساس تكافؤ الفرص والتشارك في
التمتع بخيرات الطبيعة وثمار العلم والمدنية (الحضارة)، حد يضمن الحاجات الأساسية
الضرورية من الغذاء، السكن، الصحة والتعليم اللازم لتطوير الذات ورقي كل الإنسان
الفرد.
-
يتاح لكل فرد أن يكسب فوق هذا الحد بقدر اجتهاده في عمله
وبدون استغلال لعمل الآخرين، الأمر الذي يؤدي إلى قيام درجات إقتصادية بالضرورة في
المجتمع. لكن هذه الدرجات لا تترك مفتوحة بدون حد أعلى يعمل كصمام أمان يحول دون
تطورها إلى فوارق اجتماعية متميزة.
-
يفرض في التشاركية عن طريق التقنيات والإجراءات في
نظامها حد أعلى للدخل حسب مستوى معيشة المجتمع العام، يحول دون تجمع الأموال
واحتكارها دون حق لدى بعض الأفراد وفئة قليلة إلى الحد الذي يهدد المجتمع وبقيام
نظام الفوارق الاجتماعية المتميزة.
فالمجتمع التشاركي هو مجتمع الكفاية والعدالة بـ ولضمان الحرية. والحد
الأعلى للدخل حد نسبي يختلف من مكان إلى آخر ومن زمن إلى آخر يحدده مستوى النظام،
خاصة الاقتصادي منه،والذي يتفق مع ظروف المجتمع وتطورات العصر، تحكمه أبعاد
أو ضوابط أربعة هي:
1-
ألا تترك الأموال كأداة للتسلط الاقتصادي
والاجتماعي في المجتمع وبالتالي التسلط السياسي ومنع الحق في الحرية بطرق مختلفة
ظاهرة أو مستترة، و"كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم".
2-
ألا تترك الأموال تتجمع في يد الأغنياء إلى الحد الذي
يدفع بهم إلى الانغماس في الترف والمغالاة في مظاهر التمييز، الأمر الذي يؤدي إلى
تحلل المجتمع وانتشار الفساد، فلا يلبث أن ينهار المجتمع تماما، كما هو الدرس
المستفاد من سقوط الإمبراطورية الرومانية.
3-
ألا يكون تجميع الأموال لمجرد التجميع أي
"الاكتناز" فهو أمر يتنافى مع مصلحة الجماعة، لأنه يحبس المال عن النشاط
الاقتصادي.
4-
ألا يكون تجميع الأموال عن طريق انتقاص حقوق الآخرين،
فلا يجوز بخس العمال أجورهم أو بخس المستهلكين بفرض أسعار احتكارية باهظة عن طريق
أو آخر.
في المجتمع التشاركي، الفرد ليس مالك للأرض، ليس إلا متملك،
سواءا كان هذا التملك وراثيا أم لا.المالك الحقيقي للأرض، هو المجتمع ككل،
والانتماء للمجموعات المكونة للمجتمع هي التي تجعل من الفرد متملكا للأرض. من
جهة أخرى، هذا المجتمع ترجع بنياته الخاصة إلى ضرورة الإنشاء، عن طريق المشاريع
الكبرى، لشروط الإنتاج اللائقة للجميع، من أجل خدمة الإنسان والإنسانية. لكن سلطة
عمل هذه الوحدة الجامعة، هذه البنيات التي تنسق عمل الجماعات الخاصة، والمتمثلة في
الدولة، لا يجب أن تتحول إلى سلطة استغلال. المجتمع هو المالك الحقيقي والفعلي للأرض،
الدولة ليس لها إلا التملك مثلها مثل الأفراد "بـ" و "لـ":تمثيل
سلطة المجتمع والحفاظ عليها. العذر الشرعي الوحيد للسلطة هو رفاهية كل الشعب، منح كل الشعب الإشباعات
المعنوية والمادية التي تحق لأفراده حسب الكفاءة.
الدولة
تتدخل بصفة غير مباشرة بمراقبة وتقنين تبادلات الإنتاج خاصة في مجال سوق العمل. لا تقوم إلا بمراقبة التبادلات و إعادة تدوير جزء يخصم من فائض
الإنتاج. لهذا تقوم بتطوير الإنتاج، التبادل والتوزيع، مع وسائلهم بخاصة، وتدفع
إلى إنشاء حلقات إنتاجية وتبادلية إضافية موسعة وذات مجال نشاط كبير وطويل. تضمن
خاصة، عن طريق خصم نسبة من فائض الإنتاج، شروط إعادة إنتاجها وإنتاج المجتمع. عندما
تتدخل الدولة، فذلك بصفة غير مباشرة، أكثر على مستوى علاقات الإنتاج منه على مستوى
قوى الإنتاج. من مهام الدولة كممثل للمجتمع ككل، مراقبة تملك الأراضي
والعقارات، ضمان الاتصالات والإعلام، المواصلات، والأمن، التكفل المباشر ببعض من
قطاعات الإنتاج التي تتجاوز إمكانات الخواص أو صلاحياتهم بتعلقها حصرا بمهام
الدولة لتحقيق أهداف المجتمع، كالإنتاج العسكري مثالا.
النظام التشاركي يبغي مناعة المجتمع ضد كل أشكال العنف البيولوجية والطبيعية
من مثل العقم، الانتحار والقتل، ...الخ. من أجل الوضع في مأمن للجسد الاجتماعي، ضد
هذه الاعتداءات، هذا النظام يضع حدودا بين "الفضاء المسموح به ومجال
الخطر"، يقوم بعزل فضاءات معنوية يتم في داخلها تجنب هذا النوع من
الاعتداءات.
الاعتداءات التي يهدف النظام حماية المجتمع منها، هي أيضا من طبيعة أخرى، ليست
بيولوجية وطبيعية ولكن اجتماعية : يتمثل الأمر في الدفاع عن الجسم الاجتماعي ضد
نفسه، وضد اعتداءات المجتمعات الخارجة عنه. هذا النظام، بتنظيمه حول التعارض بين
الهبة والحق، فيه، نظام التملك يهدف إلى الحفاظ على حد من المساواة، في تملك
الأشياء، وفي توزيع وتقسيم الثروات.
هذاالنظام، بوظيفة ضمان مناعة المجتمع ضد العنف من طبيعة بيولوجية
وطبيعية، يرجع إلى اعتداءات طبيعية تتعلق بالشخصيات الفيزيائية بصفة مباشرة، لا
يمكن اختزالها. أما بالوظيفة الأخرى، الدفاع عن الجسم الاجتماعي ضد نفسه وضد
اعتداءات المجتمعات الخارجة عنه، يرجع إلى تعارضات اجتماعية تتعلق بالشخصيات
المعنوية بصفة مباشرة وبالشخصيات الطبيعية بصفة غير مباشرة، أي يمكن اختزالها.
هذا
النظام يهدف إلى كبح حركة الاختلاف الاجتماعي و منع حدوث تمركز في السلطات أو لنقل
تمركز الحقوق في أقلية متسلطة تخدم ذاتها فقط وتحتكر كل المنافع لها.
باختصار، ضدا للمجتمعات الرأسمالية أين الاقتصاد
هو في نفس الوقت يحدد، ويهيمن ويسيطر، في المجتمعات التشاركية الاقتصاد
دائما محدد، لكن أبدا ليس بمهيمن ومسيطر.
السوق ليست كما يدعى قانونا طبيعيا. السوق عبارة عن قاعدة أو مؤسسة اجتماعية أو
علاقة حرة، تفترض إرادة اجتماعية حرة تهب نفسها أهدافا ووسائل. لا قانون طبيعي
للسوق، هناك فقط قاعدة للسوق متبناة أو مفروضة لكن غير مفروضة من تلقاء نفسها. إن القانون
يعكس ميزان للقوى، وإنه ليس أداة للسيطرة، أو امتدادا لقانون خاص،
أو شيئا مقطوعا عن خاصيته السياسية وتوتراته الداخلية، أو انعكاسا مباشرا
لصنمية السلعة، بل اتفاق يسمح بالحد من التوتر وينقل الصراع إلى مكان آخر
ويتدخل في تشكل المجموعات ويمثلها من خلال أجهزة النقابات للعمال والمنتجين.
ما تراكمه الدولة أو القانون هو ميزان قوى بين طبقات متناحرة. القانون نوع معين
من العلاقات الاجتماعية، ومن غير الممكن تحديد القوانين ذات القيمة العامة فوق
حدود مراحل التطور. أزمة الرأسمالية ليست إقتصادية صرفة، إنما أزمة مجمل المجتمع
ككل.