الأحد، 19 يناير 2014

التشاركية كمذهب ونظام اقتصادي



التشاركية كمذهب ونظام اقتصادي:
التشاركيةتناقض التصورات الرأسمالية للمشكلة الاقتصادية، فهي لا تعتبر المشكلة مشكلة ندرة بل هي مشكلة نابعة من الظلم والتوزيع غير العادل للثروة، وعدم استغلال الإنسان لإمكانياته الطبيعية بشكل فعال.فمثلما أثبت الكثير من العلماء أن الأرض بإمكانها تلبية حاجات 132 مليار نسمة وليس فقط لحوالي 6 ملايير نسمة كعدد لسكان الأرض حاليا.
التشاركية كنظام اقتصادي، هي تشاركêtre partenaire /partenairiat (بشحنة العشرة الزوجية، كثنائية أساسية للوجود) ـ وليس شراكةAssociation/Partenariat  ـ العمال بعملهم، لأصحاب العمل برؤوس أموالهم، في نصف الأرباح من الإنتاج وفقط. فلا يحق للعمال التدخل في أي قرار غير الرقابة ومعرفة حقيقة الأرباح وتحصيل نصيبهم منها(نصف أرباح مؤسسة العمل "ناقص" "-" رواتبهم سنويا) بهيئة محددة منهم(الدور الأساسي والفعلي لنقابات العمل) في جمعيات عامة لهم، ولو كان أعضاء هذه الهيئات ليسوا من العمال ما داموا أنهم مختارين من العمال بالطرق التي يريدها العمال، وهؤلاء الأعضاء في هذه الهيئات يعملون لحساب العمال، بحيث أنهم سوف يعتبرون من العمال في المؤسسة.
فأي إنتاج لا يخرج عن نطاق أن "أي شيء لا يمكن أن يكون إلا بالعمل ثم العمل"، ولا عمل إلا بوسائل الإنتاج (وسائل العمل).
فالإنتاج يساوي (=) العمل زائد (+) وسائل الإنتاج من مادة أولية وأدوات الإنتاج (رؤوس الأموال).
العمل بالنسبة للرأسمال نشاط يطرح قيمة ويشكل جزءا من الرأسمال نفسه، والقدرة على العمل ليست سوى عنصر في حركة الرأسمال وإنتاجه، والعلاقة الاجتماعية أضحت علاقة رأسمال.فالرأسمال ليس إلا عمل مخزن في حالة نشاط وعلاقات اجتماعية.كما أن الثروة ليست إلا تراكم عبر الزمن للعمل وتجميعا له لكن دون حركة كالرأسمال رغم أنها هي أيضا هي في حالة علاقات اجتماعية بسكونها.
العملهو ثروة العمال (الآنية) كما أن وسائل الإنتاج ثروة أصحاب العمل كرأسمال.
وحيث أن "أبسطها أقربها للحقيقة"، فإنه:
بما أن العمل هو ثروة العمال كما أن وسائل الإنتاج هي ثروة أصحاب العمل (وكلاهما الرأسمال)، فإن العمال يعتبرون شريكا لأصحاب العمل(أصحاب وسائل الإنتاج)، أحدهما يمد الوسائل والآخر يمد العمل(القدرة الإبداعية). هذه العلاقة، تلزم العمال بحق في نصف أرباح الإنتاج حق شرعيا أوليا وحيويا لا يستغنى عنه من حقوق الإنسان، لا العمال فقط. )...الخ). ذلك أن أبسط الأمور هي أقربها للحقيقة، وكلما تعقدت الأمور فذلك لا يعني إلا محاولة إخفاء الحقيقة بالكلمات المغلوطة. الحقيقة بسيطة وواضحة دائما، والكذب والزور هو المعقد والغامض.
إن الأرباح يجب توزيعها على أساس النسب المتفق عليها، فأصحاب رؤوس الأموال يأخذون الجزء منها مقابل مساهمتهم في التمويل لإنشاء و/أو تشغيل المؤسسة، والعمال اليدويون، الفنيون، المهندسون، والإداريون المسيرون والمنظمون يأخذون الجزء مقابل عملهم وسعيهم. ويمكن التمييز في نسب الأرباح بين العمال على أساس كفاءاتهم العلمية عن طريق منح مخصصة لذلك حسب الكفاءة العلمية، فلا يمكن أن تكون نسبة الأرباح للمتعلم متساوية مع نسبة أرباح غير المتعلم، ذلك ما يحفز جميع العمال على التعلم أكثر لكي ترتفع نسب أرباحهم، لأنه لا يمكن لنا أن ننكر أن التعلم بحد ذاته كثروة هو أحد شروط تنمية الثروة في المجتمع كما تثبته الكثير من الإحصائيات والأبحاث.
والأجور حسب النظام التشاركي محسوبة في تكاليف و/أو استثمارات مؤسسة العمل ومخصومة من أرباح العمال حماية اجتماعية و"حقا للحقوق"، حيث انه لو لم تخصم من أرباح العمال لأصبح العمال كأصحاب العمل في الرأسمالية الليبرالية حاليا. فأرباح العمال "تساوي" "=" أرباح مؤسسة العمل الصافية(بنزع الضرائب والإهتلاكات والديون) "مقسمة" على "/" اثنان (02) و"تساوي" "=" أجور العمال الخامة "زائد""+" الباقي السنوي. وضمن الباقي السنوي من أرباح مؤسسة العمل الصافية بعد خصم كتلة أجور العمال الخامة السنوية، وقسمته على إثنين بين أصحاب العمل والعمال ـ كما يوزع المساهمون أصحاب العمل مالكي المؤسسة أرباحهم بينهم ـ  يوزع العمال قسمهم بينهم حسب اتفاقاتهم(حسب عدد ساعات العمل أو الإنتاجية، حسب عدد العمال، حسب الإنتاجية والمردودية، ...الخ). ذلك ضمانا لكل الحقوق والعدل، كي لا نقع فيما "للشيوعية" و/أو الاشتراكية من الرأسمالية، إذ جاءت لتسترد حقوق العمال من أصحاب العمال (الذين يسرقون فائض القيمة Plus value)، فأتت عليهما معا (حقوق العمال وحقوق أصحاب العمل وحرياتهم معا) لتمنحها للمافيا السياسية والبيروقراطية الإدارية المسيرة، غير المالكة من الإنتاج سوى حق الانتفاع وسلطة القرار بما يخدمهم من تقدير قانوني أو غير قانوني يبقي على مصالحهم الخاصة والمجانية بهذه الأنظمة "الدكتاتورية"(رأسمالية الدولة) والرأسمالية (ديكتاتورية السوق)، المقيدة لحق الحرية والتغيير، مؤخرة بتغير المحيط، إلى أن يأتي التمرد بعنف سلبي على الحاضر والماضي للتقدم وصناعة المستقبل(الآخر)، وإن كان بذالكم الحاضر والماضي.
هذا المبدأ معناه أن يأخذ العامل قدر العمل أو المجهود الذي بذله كاملا، وهو ما يعد في نظرنا حلا نهائيا للمشكلة التي طرحها ماركس حول نهب الرأسمالي جزءا كبيرا من قيمة العمل للبروليتاري، فبنى عليها ماركس حله المتمثل في نزع وسائل الإنتاج من الرأسمالي وإعطائها للبروليتاري، لكن ما طرحه ماركس هو رد حق للعامل بظلم أكبر لصاحب العمل لأنه من الصعب التأكد من مصدر حصوله على وسائل الإنتاج، أفلا يكون صاحبها قد بذل مجهودا أكبر بقدرته الحصول عليها.
فما كان يسمى بالاشتراكية في الإتحاد السوفياتي خاصة ما هو إلا رأسمالية دولة، أين تستغل الطبقات الحاكمة العمال والفلاحين، وتنهب فائض إنتاجهم، بالإضافة إلى نهبها للريع (الناتج عن الأرض وملكيتها، من مواد أولية مثل النفط، أو قيم استغلالها) الذي يوزع بشكل مباشر في القمة على شكل أجور عالية جدا، وبشكل مباشر في القاعدة بهدف خلق قاعدة اجتماعية للحكم تستفيد من هذا الريع مقابل دعمها الأنظمة ضد أي انتفاضة للأغلبية المستغلة، عن طريق كل أنواع القمع والتضخم الأمني والبوليسي. ويؤدي هذا النظام الريعي إلى نشوء شبكة من العلاقات لتوزيع وإعادة توزيع المزايا، بحيث ينتظم المجتمع في هيكل أشبه بهرم من الشرائح الريعية المتتابعة التي تحصل على مزايا خاصة نتيجة لموضعها المتميز في الهيكل البيروقراطي المسير للدولة أو بالنسبة إليه، وتقوم هذه الشرائح الريعية بدورها بإعادة توزيع جزء منه لحلقات تالية من الشرائح الريعية، فتظهر الدولة الريعية كمصدر وموزع للريع.
بعض مميزات التشاركية:
تمتاز التشاركية بأنه فيها يتم امتصاص البطالة الحقيقية والمقنعة دون اللجوء إلى التوظيف غير العقلاني وإنما بخلق مؤسسات أخرى عن طريق سيولة رؤوس الأموال أفقيا وعموديا في المجتمع الذي تخلقه بوجودها وبطريقة طبيعية دون توجيه إرادي فوقي وإنما وفق القانون الاقتصادي في حد ذاته والذي ينص على أن قيمة النقد (ق) (كمعيار اقتصادي لثروة المجتمع) "تساوي" قيمته الأساسية (س) "مضروب في" عدد مرات تداولها (ن) : (ق= س x ن).وأن العمل كمنتوج ضمن سوق العمل وضمن بورصة لأنواعه، بما يستلحقه من حرية في الحقوق العمالية التشاركية، يكون عرضه أكثر من طلبه وفق قانون العرض والطلب، لسبب أن وفرة الرأسمال وتوزعه على الجميع دون احتكار، يقلص الطلب في العمل ويزيد الاستثمار به في عرض العمل لكثرة الطلب على الاستهلاك الفردي بتوفر المال عند الجميع. ويتم ذلك عن طريق الإلغاء الطبيعي أيضا، لاحتكار الثروة وتجميده من طرف أفراد قلائل لاستعمالات شخصية في شكل ثابت لا تعود فيه بأي منفعة اقتصادية على الجميع. وكل ذلك يتم نتيجة التوزيع العادل لهذه الثروة بتحويلها من رأسمال مالي مجمد إلى رأسمال اجتماعي متحرك، ضمن نظرية تشاركية عامة للاقتصاد، ليس هنا محل شرحها.
المؤسسة (الاقتصادية) في التشاركية:
من منظور التشاركية هدف المؤسسات هو تحقيق أعظم الأرباح، لكن من خلال تحقيق المنافع العامة للمجتمع، وذلك عبر إعادة توزيع هذه الأرباح في المجتمع من خلال آلية تقسيمها في المؤسسة التشاركية، باعتبار أن عمال المؤسسات هم الأعضاء الفاعلين، المنتجين وخاصة المستهلكين في المجتمع. فيكون القرار السياسي والقرار الاقتصادي لا يختلفان القرار الاجتماعي ولا يتخلفان عن المجتمع.
فيالمؤسسة التشاركية (أو المؤسستين الاشتراكية والرأسمالية في الوسط التشاركي) مفعول قانوني العرض والطلب لا يمكن أن يتعارضا مع أهداف الخطة القومية وإنما يتكاملون كلهم.
في التشاركية، المحدد هو توزيع قيمة العمل (الفكري أو الجسدي) الذي يعد الملكية الحقيقية في التشاركية، متخذا الشكلين الطاغيين المتمثلين في: وسائل الإنتاج كعمل متراكم متحول في شكل أو صورة رأسمال، وأسباب أو"واسطات" الإنتاج كعمل متحول في شكل نشاط موجه كقيمة إبداعية في العمال.
الاشتراكية الشيوعية، الرأسمالية الليبرالية، و التشاركية:
بحق حريتهم الرأسمالية، وحق عملهم الاشتراكي، تم منع العمال وأصحاب العمل معا، في النظامين الاشتراكي كرأسمالية للدولة والرأسمالي الليبرالي كديكتاتورية للسوق، منعوا عن حق الحرية الاقتصادية والسياسية للجميع باسم العدالة الاجتماعية، وعن حق العمل للجميع باسم حق الملكية الفردية. وبنفس الحقوق يقوم أصحاب العمل والعمال بتغليب استحقاق حق الحرية الرأسمالية وحق العمل الاشتراكي معا، في النظام التشاركي، كما يمكن التنازل عن حق الحرية وحق العمل بنفس الحقوق ذاتها وبالرضا دون إكراه، مباشر أو غير مباشر، معنويا كان أو ماديا، كمبدأ أساسي للمنظومة القانونية التشاركية، إحقاقا للحق في حرية الفرد خارج حدود حرية الآخرين. وبذلك عدم إقصاء وجود النظامين الاشتراكي الحقيقي والرأسمالي الليبرالي، باعتبارهما كفتي الميزان الذي هو التشاركية، والذي أوزانه بيانات تنازل أحد الطرفين (العامل أو صاحب العمل)، ضمن"عقود العمل التشاركية"، عن حقوقه في فائض القيمة للآخر باتفاق عن تراض وتفاهم، يلزم عنهم الحوار لا الصراع ولا الحروب على المستوى الجزئي و/أو المحلي، وعلى المستوى الكلي و/أو العالمي.
خلاصة التشاركية كنظام اقتصادي:
باختصارالتشاركية هي الوسط الذي توجد فيه الرأسمالية والاشتراكية مع بعض متعايشتين دون صراع ودون حرب باردة بينهما وإنما منافسة اقتصادية شريفة دون إلغاء احدهما الأخرى مع حفاظهما على خصائصهما علاوة على إمكانية وجودها في مؤسسة واحدة في أشكال أخرى تتمثل في :
1-    المؤسسة التشاركية الخالصة:
وهي المؤسسة التي تكون فيها جميع عقود العمل أو معظمها عقود لا يتنازل فيها أي من الطرفين العمال وأصحاب العمل عن حقوقهما في نصف الأرباح.
وهذه المؤسسة هي الخاصية الأساسية والرئيسة للتشاركية حيث تعتبر المعدل الاقتصادي(Régulateuréconomique) للتفاعلات الاقتصادية في الوسط التشاركي بما تلعبه من دور يمكن تمثيله إلى دور الماء في التفاعلات الكيميائية كمعدل كيميائي.
2-    المؤسسة اللا- تشاركية:
وهي المؤسسة التي يطغى فيها على عقود العمل تنازل احد الطرفين (العمال أو أصحاب/صاحب العمل) عن حقوقه للطرف الآخر في نصف الأرباح.
وبذلك تكون المؤسسة:
-         مؤسسةاشتراكيةحقة أو خالصة كما كان ينشدها ماركس إن كان التنازل من أصحاب العمل واعتبار أنفسهم مثلهم مثل العمال كاملا،
وتكون المؤسسة أيضا:
-         مؤسسةرأسمالية شرعية غير استغلالية إن كان العكس (أي إن كان التنازل من العمال كاملا)، لكن برضا من العمال وقناعة وليس عن خداع وقهر، مع ضمان عدم الإستغلال والحياة الكريمة في وبالمجتمع.
3-    المؤسسة المختلطة:
وهي المؤسسة التي لا يطغى فيها على عقود العمل أحد التنازلات على الحقوق في نصف الأرباح من الإنتاج. وبالتالي تكون مؤسسة تشاركية ناقصة أو مختلطة ومتعددة الأشكال.
الملخص العام لنظرية التشاركية:
لنظرية التشاركية، ككل نظرية، بعدان: أحدهما تحليلي يدرس ما هو قائم، وآخر معياري يهتم بالواجب عمله. وعلى الدراسة المعيارية أن تأخذ في الاعتبار "الميكانيزمات الحقيقية" وأن تستجيب لمتطلبات الفعالية. ويتوجب معرفة وسائل الفعالية وكيف تحقق الأهداف. في حين تركز النظرية التحليلية على الشكل الرأسمالي للمجتمع، فإن النظرية المعيارية تركز على الشكل التشاركي. وثمة علاقة بين التحليلي والمعياري. الحقل الاجتماعي الذي يدرس والحقل النظري الذي يبنى هما حقلان مختلفان، وإن الإسقاطات غير جائزة، فالفهم الجدلي يتطلب جهدا مميزا وأسئلة جديدة ومواجهة مع المشاكل.منطقالأفكار ليس في الأفكار نفسها. التحليل مهما بلغت أهميته، لا يحدد ما يحصل في الواقع
البنيات التحتية (أنماط الإنتاج وعلاقته) والبنيات الفوقية (الإيديولوجيا والعلوم والمعارف) متداخلة في مستويات متعددة، فعلى مستويات أخرى تقوم البنيات الفوقية بعمل البنيات التحتية.فالوعي هو نتاج اجتماعي، لكن بفهم أن الظروف تصنع الأفراد، والأفراد تصنع الظروف كفكرة أساسية في النظرة التشاركية للتاريخ وللمجتمع.
التشاركية ظاهرة إقتصادية، تاريخية واجتماعية، طبيعية وحتمية، مقدرة، تفرضها الظروف في الزمان والمكان، وتكون نتيجتها إما النصر والنجاح أو أن تعجز عن الصمود وبالتالي تؤدي إلى الهلاك والدمار للجميع، كما يقال في القرآن مثلا : " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا".
ملخص نظرية التشاركية  بصفة عامة، متمثل في:
-         ضمان نصيب لائق وكريم من الحياة لكل فرد، أي بلغة الاقتصاد، ضمان حد كاف مناسب من المعيشة للجميع على أساس تكافؤ الفرص والتشارك في التمتع بخيرات الطبيعة وثمار العلم والمدنية (الحضارة)، حد يضمن الحاجات الأساسية الضرورية من الغذاء، السكن، الصحة والتعليم اللازم لتطوير الذات ورقي كل الإنسان الفرد.
-         يتاح لكل فرد أن يكسب فوق هذا الحد بقدر اجتهاده في عمله وبدون استغلال لعمل الآخرين، الأمر الذي يؤدي إلى قيام درجات إقتصادية بالضرورة في المجتمع. لكن هذه الدرجات لا تترك مفتوحة بدون حد أعلى يعمل كصمام أمان يحول دون تطورها إلى فوارق اجتماعية متميزة.
-         يفرض في التشاركية عن طريق التقنيات والإجراءات في نظامها حد أعلى للدخل حسب مستوى معيشة المجتمع العام، يحول دون تجمع الأموال واحتكارها دون حق لدى بعض الأفراد وفئة قليلة إلى الحد الذي يهدد المجتمع وبقيام نظام الفوارق الاجتماعية المتميزة.
فالمجتمع التشاركي هو مجتمع الكفاية والعدالة بـ ولضمان الحرية. والحد الأعلى للدخل حد نسبي يختلف من مكان إلى آخر ومن زمن إلى آخر يحدده مستوى النظام، خاصة الاقتصادي منه،والذي يتفق مع ظروف المجتمع وتطورات العصر، تحكمه أبعاد أو ضوابط أربعة هي:
1-    ألا تترك الأموال كأداة للتسلط الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع وبالتالي التسلط السياسي ومنع الحق في الحرية بطرق مختلفة ظاهرة أو مستترة، و"كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم".
2-    ألا تترك الأموال تتجمع في يد الأغنياء إلى الحد الذي يدفع بهم إلى الانغماس في الترف والمغالاة في مظاهر التمييز، الأمر الذي يؤدي إلى تحلل المجتمع وانتشار الفساد، فلا يلبث أن ينهار المجتمع تماما، كما هو الدرس المستفاد من سقوط الإمبراطورية الرومانية.
3-    ألا يكون تجميع الأموال لمجرد التجميع أي "الاكتناز" فهو أمر يتنافى مع مصلحة الجماعة، لأنه يحبس المال عن النشاط الاقتصادي.
4-    ألا يكون تجميع الأموال عن طريق انتقاص حقوق الآخرين، فلا يجوز بخس العمال أجورهم أو بخس المستهلكين بفرض أسعار احتكارية باهظة عن طريق أو آخر.
في المجتمع التشاركي، الفرد ليس مالك للأرض، ليس إلا متملك، سواءا كان هذا التملك وراثيا أم لا.المالك الحقيقي للأرض، هو المجتمع ككل، والانتماء للمجموعات المكونة للمجتمع هي التي تجعل من الفرد متملكا للأرض. من جهة أخرى، هذا المجتمع ترجع بنياته الخاصة إلى ضرورة الإنشاء، عن طريق المشاريع الكبرى، لشروط الإنتاج اللائقة للجميع، من أجل خدمة الإنسان والإنسانية. لكن سلطة عمل هذه الوحدة الجامعة، هذه البنيات التي تنسق عمل الجماعات الخاصة، والمتمثلة في الدولة، لا يجب أن تتحول إلى سلطة استغلال. المجتمع هو المالك الحقيقي والفعلي للأرض، الدولة ليس لها إلا التملك مثلها مثل الأفراد "بـ" و "لـ":تمثيل سلطة المجتمع والحفاظ عليها. العذر الشرعي الوحيد للسلطة هو رفاهية كل الشعب، منح كل الشعب الإشباعات المعنوية والمادية التي تحق لأفراده حسب الكفاءة.
الدولة تتدخل بصفة غير مباشرة بمراقبة وتقنين تبادلات الإنتاج خاصة في مجال سوق العمل. لا تقوم إلا بمراقبة التبادلات و إعادة تدوير جزء يخصم من فائض الإنتاج. لهذا تقوم بتطوير الإنتاج، التبادل والتوزيع، مع وسائلهم بخاصة، وتدفع إلى إنشاء حلقات إنتاجية وتبادلية إضافية موسعة وذات مجال نشاط كبير وطويل. تضمن خاصة، عن طريق خصم نسبة من فائض الإنتاج، شروط إعادة إنتاجها وإنتاج المجتمع. عندما تتدخل الدولة، فذلك بصفة غير مباشرة، أكثر على مستوى علاقات الإنتاج منه على مستوى قوى الإنتاج. من مهام الدولة كممثل للمجتمع ككل، مراقبة تملك الأراضي والعقارات، ضمان الاتصالات والإعلام، المواصلات، والأمن، التكفل المباشر ببعض من قطاعات الإنتاج التي تتجاوز إمكانات الخواص أو صلاحياتهم بتعلقها حصرا بمهام الدولة لتحقيق أهداف المجتمع، كالإنتاج العسكري مثالا.
النظام التشاركي يبغي مناعة المجتمع ضد كل أشكال العنف البيولوجية والطبيعية من مثل العقم، الانتحار والقتل، ...الخ. من أجل الوضع في مأمن للجسد الاجتماعي، ضد هذه الاعتداءات، هذا النظام يضع حدودا بين "الفضاء المسموح به ومجال الخطر"، يقوم بعزل فضاءات معنوية يتم في داخلها تجنب هذا النوع من الاعتداءات.
الاعتداءات التي يهدف النظام حماية المجتمع منها، هي أيضا من طبيعة أخرى، ليست بيولوجية وطبيعية ولكن اجتماعية : يتمثل الأمر في الدفاع عن الجسم الاجتماعي ضد نفسه، وضد اعتداءات المجتمعات الخارجة عنه. هذا النظام، بتنظيمه حول التعارض بين الهبة والحق، فيه، نظام التملك يهدف إلى الحفاظ على حد من المساواة، في تملك الأشياء، وفي توزيع وتقسيم الثروات.
هذاالنظام، بوظيفة ضمان مناعة المجتمع ضد العنف من طبيعة بيولوجية وطبيعية، يرجع إلى اعتداءات طبيعية تتعلق بالشخصيات الفيزيائية بصفة مباشرة، لا يمكن اختزالها. أما بالوظيفة الأخرى، الدفاع عن الجسم الاجتماعي ضد نفسه وضد اعتداءات المجتمعات الخارجة عنه، يرجع إلى تعارضات اجتماعية تتعلق بالشخصيات المعنوية بصفة مباشرة وبالشخصيات الطبيعية بصفة غير مباشرة، أي يمكن اختزالها.
هذا النظام يهدف إلى كبح حركة الاختلاف الاجتماعي و منع حدوث تمركز في السلطات أو لنقل تمركز الحقوق في أقلية متسلطة تخدم ذاتها فقط وتحتكر كل المنافع لها.
باختصار، ضدا للمجتمعات الرأسمالية  أين الاقتصاد هو في نفس الوقت يحدد، ويهيمن ويسيطر، في المجتمعات التشاركية الاقتصاد دائما محدد، لكن أبدا ليس بمهيمن ومسيطر.
السوق ليست كما يدعى قانونا طبيعيا. السوق عبارة عن قاعدة أو مؤسسة اجتماعية أو علاقة حرة، تفترض إرادة اجتماعية حرة تهب نفسها أهدافا ووسائل. لا قانون طبيعي للسوق، هناك فقط قاعدة للسوق متبناة أو مفروضة لكن غير مفروضة من تلقاء نفسها. إن القانون يعكس ميزان للقوى، وإنه ليس أداة للسيطرة، أو امتدادا لقانون خاص، أو شيئا مقطوعا عن خاصيته السياسية وتوتراته الداخلية، أو انعكاسا مباشرا لصنمية السلعة، بل اتفاق يسمح بالحد من التوتر وينقل الصراع إلى مكان آخر ويتدخل في تشكل المجموعات ويمثلها من خلال أجهزة النقابات للعمال والمنتجين. ما تراكمه الدولة أو القانون هو ميزان قوى بين طبقات متناحرة. القانون نوع معين من العلاقات الاجتماعية، ومن غير الممكن تحديد القوانين ذات القيمة العامة فوق حدود مراحل التطور. أزمة الرأسمالية ليست إقتصادية صرفة، إنما أزمة مجمل المجتمع ككل.

مفهوم التشاركية



مفهوم التشاركية:
التشاركية (Partenairialisme مذهب ونظام مفتوح غير مغلق، جديد وعادل (Juste)، ذو مستويات خطاب ووجود عدة: اقتصادية،اجتماعية، سياسية، وفلسفية. نظام مفتوح غير مغلق،مبني على أساس اقتصادي ذو تفرعات متعددة.
التشاركية هي النظام الذي يبحث عنه عالمنا المعاصر في ما كان يسمى الطريق الثالث التمويهي، أي في "الليبرالية الاجتماعية " الناقصة وغير المثالية حتى في أسسها وطموحاتها، تجاوزا للاشتراكية الماركسية والرأسمالية الليبرالية في صراعهما.
التشاركية دون أي اعتبارهي الإجابة لفرنسيس فوكوياما حول أقواله في المقال: "نهاية العالم والإنسان الأخير ... عشر سنين من بعد" (في سنة 1999). هذه الإجابة هي أن التشاركية هي التي تولد من رماد الليبرالية وهي أيديولوجية ما بعد الليبرالية، كدليل أن منطق التطور في تاريخ البشرية لا يؤدي حتما بالأمم الأكثر تقدما إلى النظام الأكثر قوة في زمانها -متمثلا في الديمقراطية الليبرالية واقتصاد السوق في حالنا -، وأن قانون الحياة يقول بأنه لا يخلف فرد (شخصية فيزيائية أو شخصية معنوية كانت) عن جماعة إلا إذا استقطبته حقيقة أخرى – ولو لم يستوعبها (بعد) – أو نقصت حقيقة الجماعة؛ فلا يختلف اثنان على الحقيقة الواحدة. إجابة بأنه يمكن أن يوجد، مهما حدث، على أي مستوى، وبكل صفة، ما يناقض أي استنتاج بأن أي نظام – حتى التشاركية ذاتها – هو الذي فقط يفتح السبيل الحقيقي الوحيد نحو التحقيق التنمية. ولكن يتشبث المرء دائما بما يظنه الأحسن، والتشاركية هي كذلك.
التشاركية هي إيديولوجية "ما بعد" الليبرالية الرأسمالية، كمحصلة جدلية للاشتراكية والرأسمالية معا، وللتناقض الحاد للرأسمالية بين الرأسمالية الصناعية والرأسمالية المالية كمستوى ثاني للصراع في الرأسمالية الغالبة، محصلة جدليةتؤسس لوجود "دولة تشاركية" Etat Partenarialiste متميزة بخصائصها ( نشرحها في كتاب خاص بها).
التشاركية هي ذلك البديل والطرح الحقيقي الأصيل والفعال، من اجل الفكاك من وضعية العالم المتأزمة وسيطرة النيوـ ليبرالية المتوحشة مع تحجر الماركسية.
التشاركية، مذهب من أجل العمل والنشاط. هي جوابنا للمشكل المطروح علينا:
ماذا بعد الرأسمالية و الليبرالية المتوحشة؟
التشاركيةهي الضرورة لوجود بديل جذري، يتمثل في تحرر الأفراد وإنهاء الاستعباد، وفي إنشاء عالم جديد على أنقاض العالم القديم.
التشاركيةيوتوبيا(طوباوية) (Utopie) ومثال مجردين، حلما ووعدا وتعبيرا نقديا مناقض للرأسمالية والظلم والاضطهادبحيث أن "الاستغلال لا يولد القمع بل يتحد معه". ذلك إذا لم تتحقق التشاركية و لم تجد القوة الاجتماعية التي تؤمن وتعتقد بها وتعمل على تجسيدها في الواقع. الفاعل المحدد للمجابهة والكفاح فيها لا يحدد مسبقا، بل يخلق في الفعل والممارسة. فالتشاركية هي أن منطق الأفكار ليس في الأفكار نفسها. التحليل مهما بلغت أهميته، لا يحدد ما يحصل في الواقع. الطوباويةهي فعل ضروري للعقل أو للتفكير في العالم الأفضل.هي أمر شرعي لأن الإنسانية في الراهن لا تستطيع صوغ ممارستها الحقيقية إلا إذا أخذت في الاعتبار وجهات نظر البشرية في المستقبل. التشاركية شيء ممكن.
فيالأساس، تطرح التشاركية، كحركة فكرية نقدية، وكأداة لتغيير العالم (كشف الواقع والعمل على تغييره) لكن مع تبريرات لممارسات اجتماعية محددة. وتشكل نظاما فكريا منفتحا يطرح  تساؤلات دائمة، وهي على تناقض مع الإطلاقية الإيديولوجية والشمولية التي تدعي شرح كل شيء، وتدل على حركة الفكر أكثر مما تدل على قوانين ثابتة أبدية، وتدعوا إلى تغيير علاقات الإنتاج الرأسمالية، لا إعادة إنتاجها، وإلى نزع صفة القدسية والتشيؤ عن علاقات العمل. فعلى التفكير النقدي الحقيقي بحسب ماركس، أن يقدم البرهان عن مقدرته على تحليل الواقع الاجتماعي والطريقة التي ينخرط الأفراد بواسطتها فيه. فلن تكون هناك حرية إذا لم تكن هناك علاقات اجتماعية حاملة للحرية. التشاركية ورشة عمل مفتوحة قبل أن تكون نظاما نظريا، يتجاوز نفسه.
في التشاركية: المساواة التي تتحدث عنها الرأسمالية لا تعدو كونها مساواة شكلية تغطي لا مساواة حقيقية. إن الديمقراطية والحرية ونظام التمثيل لم تستخدم إلا للحفاظ على النظام القائم. وفي هذا السياق، ما قيمة الحرية إن لم تتأمن الظروف الاجتماعية التي تسمح بممارستها؟ يصبح الناس في المجتمعات الرأسمالية غرباء عن أنفسهم، ويعيشون حياة غير حياتهم، وتصبح حياتهم الحقيقية حلما ،خيالا أو وهما. في التشاركية: الديمقراطية الحقيقية ثورية في العمق وضد الرأسمالية .التشاركية تنادي بأنه:ينبغي المطالبة بالديمقراطية في كل بنية سياسية خاصة، و في غيرها من بنية إقتصادية وحتى الفكرية منها، وعلى المستويات كافة.
التشاركية، هي قبل كل شيء إيديولوجية تيار فكري، وحركة أفكار، لها أهداف محددة: هي الطريق الثالث الحق والحقيقي. الكلمة المفتاحية له هي تجاوز ثنائية اليمين/اليسار البائس والمزيف التي أصبحت دون أي معنى من خلال تطورات علاقات الإنتاج في العالم. طبعا، اختيار الحكم من طرف اليسار أو اليمين ليس هو الديمقراطية. الديمقراطية هي القدرة على فرض بأن لا يخدعك أو يخونك لا هذا ولا ذاك.نحن البديل الوحيد الحقيقي لهذه الخدعة الثنائية لليسار البائس والمزيف، ولليمين، الذين ليسوا إلا الوجهين لنفس العملة الواحدة، أحدهم كما الآخر يتداولون أطباق وصحونرأس مال الهيمنة، من أجل الحفاظ على امتيازاتهم.
قد تبين أن التركيبةالبشريةللطبقة السياسية من نفس التركيبة البشرية للرأسماليين المستغلين: ما يسمى باليسار الحالي البائس والمزيف، ليس خارجا عن النظام، كما يتخيله الذين يتهمونه بخيانة مبادئه وأفكاره: اليسار ليس إلا يسار اليمين، لكن بصيغة أخرى هو الآن، بصفة عامة، جزء من اليمين، ولا يمكنه إلا المساعدة على تأبيد النظام الليبرالي. متخرجون من نفس المدارس أين تتكون "النخبة"، لهم مسارات متشابهة ومتقاطعة، رجال السياسة ورؤساء الشركات ينتمون كلهم إلى طبقة الملاك.
قادة كل البلدان درسوا في نفس كبرى مدارس التجارة. عاشروا نفس جامعات الاقتصاد، تلك التي توجد فيها كل الأدبيات الاقتصادية النيوليبرالية للبنك الدولي، صندوق النقد الدولي، وللمنظمة العالمية للتجارة. لقد رضعوا من نفس الأطروحات الليبرالية، نماذج معرفية فيها السوق هو السيد. إنهم يشاركون في بلدانهم في إعادة هيكلة إقتصادية واجتماعية بتوافق مع قواعد الانفتاح الاقتصادي والمالي. 80 %من الشباب الموظفين من طرف هذه الهيئات يخرجون من قالب واحد. إنهم في نفس الكون الذهني. والباقي ليس إلا كلام فارغ.
الآنأن ننتخب ديمقراطية- اجتماعية (اشتراكية ديمقراطية) أو يمينا، هو نفس الشيء. الكل يقول: "لا نستطيع القيام بأي شيء، السوق هو الذي يقرر، الحزب الأعلى لرأسمال الاحتكارات".
التجربة الاشتراكية الديمقراطية تشكل مثالا للصراع الطبقي اللاثوري. ورغم أنه غير ثوري يعتبر صراعا طبقيا، لا يطرح للتساؤل نمط الإنتاج الرأسمالي، ولا يعمل على استبعاد آلة القمع التي هي الدولة البرجوازية والنظام الرأسمالي الليبرالي، بحسب كارل ماركس، وإنما يعمل في خدمتها.
تأثير الرأسمالية في الاشتراكية الديمقراطية هو أن الاشتراكيين الديمقراطيين تبنوا منطق السوق، وحققوا اتفاقا تاريخيا مع "سلطة" رأس المال، وهم، بالتالي، لا يصححون مساوئ الرأسمالية. وثمة في أنظمة الأحزاب الأوربية، حاليا، اشتراكية ديمقراطية قوية، إلى حد ما، إنما لا "دور" اجتماعيا و اقتصاديا معرفا ومدركا في وضوح لهذه الاشتراكية. تشارك الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الآن في السلطة، وتتمتع بقدرة كبيرة على التكيف. ويتوافق تحولها الزائد نحو "الليبرالية الاجتماعية" والاعتدال مع ازدياد في سيطرة أفكار الخصم وتفوق قوي في "نظامه الإيديولوجي". وأمام تحدي الليبرالية الجديدة وغياب أي نموذج اجتماعي اقتصادي أضحى الاشتراكيون الديمقراطيون مجبرين على التخلي عن راديكاليتهم الإيديولوجية لأهداف انتخابية. وفي النتيجة تبقى الاشتراكيةالديمقراطية تبدو اليوم منهكة إيديولوجيا وضعيفة اجتماعيا وقوية انتخابيا. ويمكن القول في بساطة إنها في اللعبة وتطرح كقوة طبيعية للبديل الحاكمفي ظل عدم وجود البديل اليساري الحقيقي. ويعتبر ذلك مؤشرا على التبعية المتزايدة للاشتراكية الديمقراطية أمام إغراءات الوضع السياسي.
أمام سيطرة الإيديولوجيا الليبرالية الجديدة، فإن الوفاق الاشتراكي الديمقراطي يقوم على الجمع بين ثلاث مصالح متناقضة: مصلحة الطبقة العاملة، مصلحة رأس المال للنمو بدون عقبات، ومصلحة الجماعة الوطنية من أجل خير معمم. وتبقى الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية عبارة عن تشكيلات شعبية انتخابيا رغم ارستقراطيتها وسيطرة الطبقات الوسطى على أجهزتها، وتبقى مرتبطة بالعمال والفئات الشعبية، مع الإشارة إلى دورها الطبقي عبر التاريخ في لحظات معينة، إلا أنها لا تشكل حاليا أحزابا طبقية.
الاشتراكية الديمقراطية في حلقة مفرغة بسبب كثرة تناقضاتها وضعفها. يحاول الاشتراكيون الديمقراطيون مثلا التمدد نحو قطاعات من السكان غير العمال، لكن من غير أن يحظوا بدعم العمال. فالرابط الذي يشد الطبقة العمالية إلى الاشتراكية الديمقراطية بدأ ينحل. فالعمال اليوم هم أقل تحسسا بالبرنامج السياسي للاشتراكية الديمقراطية من الماضي، فهذه الأخيرة أقل تحسسا بالمطالب العمالية ومأساة اليسار المعاصر أنه لا يستجيب للمطالب الشعبية. بصيغة أخرى، الاشتراكية الديمقراطية الجديدة أكثر قربا من الرأي العام وأكثر بعدا عن المجتمع. لكنبقدر ما ينتشر الفقر وتشتد مقاومة المجتمع والحركة النقابية لتأثيرات السياسات المتعبة بقدر ما تكبر حظوظ الأحزاب الاشتراكية في السير في الطريق الاجتماعي.
أما التشاركية رد اعتبار للسياسي الحقيقي (le vrais politique). فالقادة السياسيين"المؤثرين"، أصبحوا أقل فأقل سياسيين، وأكثر فأكثر خدام بنوك ومال. بدون أي مشروع حقيقي، يتكالبون على نسيان تعهداتهم منذ انتخابهم، ليس لهم إلا هم وحيد: أن يكونوا محبوبين ويعاد انتخابهم. مراياهم في هذا العصر هي الشاشات. إنها تسمى التلفاز، "فايس بوك"، "تويتر" ...الخ. وظيفتها؟:تدعيم الصورة الجميلة التي عند "الأمير العصري" حول نفسه ووضعها في خدمة منافعه الشخصية.
بدون أي سلطة حقيقية على الأسواق التي تقرر الاختيارات الاقتصادية والسياسية للدول، القادة السياسيين ليس لهم بعد ذلك إلا برنامج وحيد لبيعه: هذا البرنامج هو"هم أنفسهم". بالتخلي عن كل شيء أمام عشق ذاتهم المفرط، فإنهم لا يقررون ولا يمارسون السياسة، إنما يتواصلون ويبلغون، حول شخصهم أولا، أو فقط. سيرتهم الذاتية، طفولتهم، مسارهم المهني، غرامياتهم وعلاقاتهم، آلامهم، صديقاتهم و/أو أزواجهم: المواطنين يعرفون بالتقريب كل شيء عن أشخاصهم، ولا يعرفون إلا الشيء القليل عن مشاريعهم، برامجهم، وأفكارهم وقناعاتهم الحقيقية، من أجل المجتمع والصالح العام. ذاتهم تستعرض في كل حين. استعراضيتهم لا تعرف أي حدود: فمنذ سنين قريبة، كل الديمقراطيات العريقة "النموذجية"(؟ !)، وضعت وأسقطت الحاجز بين الخاص والعام. كل السياسيين خاضوا لعبة عرض حياتهم الخاصة فقط، على الرأي العام. كلهم يتشبثون بالظهور مع نسائهم، اللواتي لا يتوانين عن ذكر "براءتهم الطفولية" و"عدم اهتمامهم"(؟ !).
السياسة لم تعد كما كانت: صراع برامج، أفكاروقناعات على الأقل. أصبحت غرفة تزيين وتبديل الملابس الاستعراضية للكومبارس السياسي، وطغى الإلهاء المسرحي بالشكل لنسيان المضمون.أصبحلا فرق بين النجوم السينمائيين والفنيين ورجال السياسة في الوقت الحاضر، كلهم سلع ورموز سوق الصورة والإعلان لا الإعلام. التواجد المكثف والوحيد للحياة الخاصة في الفضاء العمومي دفع إلى فقدان قيمة السياسيعن قصد. معظم المسؤولين ليسوا بحاملين لأي رؤية مستقبلية، لأي "مشروع"، ليس لهم بتاتا أفكار، غير أنهم أغبياء ومن سياسة وضيعة، ولغتهم بالعادة غير صحيحة : أخطاء كبيرة وكثيرة، غياب الاقتصاد في اللغة، أسلوب غير محتمل بثرثرة متضخمة في تدخلاتهم.هذا التضخم في العبارات المتكررة يعبر عن نقص حقيقي في القدرة على تسيير الحياة اليومية و يلقي الضوءعلى غياب بدائل وحلول ومشاريع حقيقية. تعدد الأفكار القبلية الجاهزة والأحكام المسبقة، يشهد على انحراف اللغة وخروجها عن الطريق.
لعدم وجود أي مشروع حقيقي عندهم، يستعرضون أنفسهم وذواتهم. لأجل تسويق أنفسهم، لهم حاجة مطلقة ومستمرة "للإعلاميات"، متواصلين وصحفيين، الذين يعطون لهم قيمة، ويقدمون لهم الإحساس الخاطئ، لكن المتضخم إلى ما لانهاية، بالوجود حقيقة. معظم وسائل الإعلام تدفع وتشجع الصحفيين إلى أكبر قدر مما تسميه "الحياد الإعلامي"؛ يستكنفون عن إطلاق الأحكام ويكتفون فقط بنقل المعلومة، ويظنون أنهم "موضوعيين":وجود جريدة، الحفاظ على حصة تلفزيونية، متعلق بالمساهمين فيهما، بالمعلنين والمشهرين، وبمساعدات وتمويلات الدولة. مهتمين ومتخوفين من عدم إرضاء مموليهم كما قرائهم، مستمعيهم، مشاهديهم، ومتابعيهم، المستهلكين لسلعهم، وسائل الإعلام أصبح هدفها الأول إشباع استعراضية المهيمنين وتفرجية الخاضعين. الترفيه أصبح يقوم بدور أخطر من الأخ الأكبر في مجال الرقابة. لقد غمر حياتنا المعاصرة، فالتسلية ابتلعت السياسة والتعليم والإعلام والرياضة والثقافة والإعلان والتسويق وتحولت إلى غاية الغايات. فالمهم أن نتسلى ونضحك. لكن الضرر، كما يؤكد "ألدوسألوكسي"،المؤلف في 1932للكتاب المترجم إلى اللغة الفرنسية بـ "أفضل العوالم"، لا يكمن في استبدال الضحك بالتفكير، بل في عدم التفكير لماذا نضحك؟ ولماذا توقفنا عن التفكير؟ وعلى من يتم الضحك؟ ومن هو الضاحك الحقيقي؟
الديمقراطية هي، في هذا الإطار الخاص، شبيهة لطاحونة كلام. اللغوي الأمريكي الكبير ناعومشومسكي (Naom Chomsky) له الحق بتعريف وتحديد الديمقراطية كما يلي: " خاصية ألفاظ الخطابات السياسية، هي أنها في أغلبيتها بمعنى مزدوج. أحدهما هو المعنى الذي نجده في القاموس، والآخر هو معنى وظيفته خدمة السلطة – إنه المعنى المذهبي. (...) لكن المعنى المذهبي للديمقراطية مختلف – إنه يعني نظاما فيه القرارات متخذة من طرف بعض القطاعات من مجموعة الأعمال والنخبة المتعلقة بها. الشعب ليس إلا "مشاهد للنشاط" وليس "مشارك" كما شرحه منظري الديمقراطية (في هذا الحالة، والتر ليبمانWalter Lippmann). المواطنين لهم الحق في المصادقة على القرارات المتخذة من طرف نخبتهم و منح دعمهم لهذا أو لذاك من الأعضاء، لكن ليس تلك المتمثلة في الاهتمام بالقضايا – كمثال  وضع السياسات العامة أو المتعلقة بالشأن العام – التي ليست بتاتا، مهما يكن، وبأي صفة، من حقهم. عندما بعض القطاعات من الشعب تخرج من عطالتها و تبدأ في تنظيم نفسها و تنطلق في الساحة العمومية، لن تعود هناك ديمقراطية".
الطريق الثالثالذي هو التشاركية، إذن،هو طليعة الإنساني في الحرب التي تقوم بها الشعوب ضد العولمية، التي تعمل لأجل ديكتاتورية عالمية متحكم فيها من طرف الرأسمال العالمي. الليبرالية الزائدة المعولمة والمطالب بها كحدي (ألفا وأوميقا) سعادة العالم، ليس فيها من الحرية والتحرير إلا الاسم. إنها في الحقيقة نظام شمولي للسوق. آلية تجعل الإنسان خادما لها، بدل أن تخدمه. رأسمالية عالمية تتحدد وتتطور بأزمات نظامية ونسقية مؤسساتية. الأرض، الماء، الهواء والإنسانية لا توجد فصاعدا البتة، إلا من أجل الربح ومن أجل التقطيع المنظم والمقنن لأقلية صغيرة من المالكين المستحوذين. هذه هي الحصيلة السريعة الذي يمكن القيام به حول عالمنا. هذه الحقيقة الواقعية المحزنة ليست قدرا، لكن هي إرادة كمشة من "الأوليجارك" في نهب وسرقة ثروات العمال، الإنسانية والطبيعة بكليتهم، من أجل الهدف الوحيد المتمثل في رفع وزيادة نسبة أرباحهم. ونحن بالتشاركية، على أساس اقتصادي، نرفض هذا النوع من العالم.